الأحد، 2 يونيو 2013

خبايا نسائية - Review






" عارف يعني إيه أقولك أنا ماشية ؟ يعني مش هبص ورايا "

بهذه العبارة بدأ الكتاب فاستعددتُ نفسياً لقراءة قصة اجتماعية رومانسية يكون الحوار فيها بالعامية لكن كانت تنتظرني مفاجأة من نوع خاص .. 

الحيرة كانت هي الانطباع الأول حين بدأت قراءة خبايا نسائية، تعودتُ أن أقرأ كتباً ذات تصنيفات واضحة .. رواية – قصة قصيرة – شعر .. لكن هذه الخبايا تمردّت على كل التصنيفات المعتادة وفرضت نفسها على القارئ ليغرق في تفاصيلها رغماً عنه، فكل سطر وكل تساؤل كان فيه الكثير مما لم يُقل وربما ما لا يمكن قوله شفاهة فكان الكتاب نافذة لخروجه إلى النور، من الطبيعي إذن أن لا تُصنف ضمن ما نعرفه من تصنيفات .. هي تصنيف جديد قائم بحد ذاته، شعرتُ أثناء القراءة أن روحاً ما تشكلت بين السطور تحمل في قلبها كل ألم ممكن وتغطيه بطبقات من اللون الرمادي لتتماهى الحقائق مع التنهدات وتحولها إلى شبه استغاثة خافتة ثم تترك مكاناً لألم جديد يرسم نفسه على شكل "أنثى" وهو في الأصل يجمع كل البشر .. 

استوقفتني الكتابة العامية واستفزتني جداً - بصراحة - لأنني أرى أن للفصحى جلالٌ خاص هو ما يعطي الكتابة الأدبية طعمها ولونها، ولا أقول أن القالب أهم من المضمون لكنه من الأهمية بمكان يجعل المضمون يستوحي منه بريقه الأصلي.. ولكن هل لي ان أقول أنها كانت طريقة أسرع لإيصال هذا الكم المتفجر من المشاعر، كثيرٌ مما سكبته منى في هذه الصفحات كان يحكي داخلي الذي أخفيه عني وعن الآخرين وأنكره، المزج بين العامية والفصحى كان له وقع خاص كأن الكاتبة تطبطب علينا بين الحين والآخر لتخرجنا قليلاً من لزوجة الكآبة فنأخذ بضع أنفاس عميقة قبل الغطس من جديد.. الفصحى هنا كانت فواصل سريعة أكثر من كونها جزءاً من السرد الأدبي لكن في نظري كان لهذا التداخل أثر أكبر في إيصال المعنى بقوة وأحياناً بطريقة صادمة.

بعض المشاهد الحوارية في الكتاب كانت تختزل في سطورها القليلة قصصاً ذات وقع قوي على النقس، بعضها مبكي جداً وأغلبها مثير للحنق .. هناك أفكار كرهتها مثل فكرة "قتل المغتصبة لترتاح من عذابها" لأن هذه الفكرة كغيرها من أفكار كثيرة في المجتمع تسلب المرأة حقها في اختيار مصيرها، ربما فكرت أن تموت لترتاح ولكنها لم تكن لتنفذ فكرتها حقاً ليس فينا من لا يحب الحياة حتى لو تعرض لأبشع أنواع الاستغلال أو التعذيب ودائماً الأمل في المستقبل يمحي تدريجياً الذكرى البشعة فلماذا التفكير في قتلها حتى لو كان الأمر في صالحها! 

" أريد زوجة متدينة" هذه المقطوعة أعجبتني بشدة لا لشيء سوى جرأتها البالغة، هي حقيقة موجودة فعلاً ولكن ليست منتشرة بالكثرة التي تلفت الأنظار، فكرة الزوجة المظلومة تكررت بكثرة مبالغة كأن كل النساء ضعيفات جداً لدرجة أن كل عالمهن يدور في فلك هذا الزوج وما قاله أو كاد يقوله أو لم يقله وكأنها لا تملك إرادتها الخاصة ولا ردود أفعالها الخاصة، تلومه صامتة حين يظلمها بعد أن مكّنته من ذلك باستسلامها وضعفها البالغ .. هذه الصورة تستفزني دائماً لأنها مبالغة فحتى النساء المستضعفات لديهم بعض القوة التي تجعل ردود أفعالهن صاخبة أحياناً .

بالمختصر .. خبايا نسائية عبارة عن فيضان مشاعر إنسانية سكبت بين السطور حسب نظرة كاتبتها، هو كتاب يسهل العودة إليه وبدايته من منتصفه أو نهايته والاستمتاع بالمشاهد المتداخلة السريعة .. شيء يبعدك قليلاً عن مشاكلك الواقعية أو ربما يساعد البعض في التأقلم مع الحياة باعتبارهم ليسوا وحدهم وأن هناك من استطاع التعبير عنهم بدقة .

من المآخذ التي يلاحظها القارئ في هذا الكتاب أن كل الشخصيات تملك نفس السمات النفسية وليس ذلك محصوراً على اشتراكهن في الشعور بالخذلان أو الضعف أو الجرح، المسألة أعمق وهي تطابق كل سماتهن الشخصية بحيث أصبحت طريقة تعاملهن مع الألم واحدة [ الاستسلام - الشكوى - البكاء - الشعور بالهمّ والكبت ] وهو رد فعل يصدر عن شخصية معينة لها خلفية بيئية وتربوية وتعليمية معينة ولا يمكن أن تتفق كل النساء في رد الفعل كأنهن توائم متشابهة .. قد تتفق اثنتان في رد الفعل بسبب البيئة التي عشن فيها ولكن حتى في هذه الحالة تختلف الأفكار التي تعبّر بها عن حالتها حتى بينها وبين نفسها .. الاستسلام أيضاً لا يدل على الضعف بقدر ما يدل على العجز عن التعمق في البحث عن حلول وعجز عن التفكير النقدي لحالتها وعن الإيجابية في رد الفعل، كل النساء في الكتاب بلغ بهن الاستسلام حداً دفع بهن إلى التظلم المستمر فأصبحن بذلك شريحة واحدة من المجتمع النسائي رغم اختلاف المواقف والشخصيات. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق