الاثنين، 10 يونيو 2013

آخرة الحب .. !







بعد قصة حب طويلة تزوجا، استمر شهر العسل الرومانسي قرابة السنة ولم يكن بينهما سوى الحب ثم الحب ثم الحب، طالبها أن تأتي له بوليّ العهد ووعدها أن حبه لها سيزيد إن فعلت ذلك
-        لازم ولد ؟
-        طبعا عشان يشيل اسمي
-        طيب لو بنت ؟
-        عادي .. قضاء وقدر
-        بنتنا تبقى "قضاء وقدر" !!
-        لا يا حبيبتي بلاش تفهميني غلط .. ولد بنت كله نعمة وكرم من ربنا
-        طيب لو خلفنا بنت ؟
-        مش هزعل خالص والله
-        !!!
-        ايه يا حببتي ؟ انتي ليه مش عايزة الخلفة ؟ ليه بتكرهي الأولاد أوي كدة
-        انا اكره الأولاد ! مين اللي قال كدة
-        طب خلاص ادعي بقى ان ربنا يرزقنا بالولد الصالح البارّ
صمتت وقد عرفت شروط هذا الحب الجديد، الولد هو الشرط لا أقل ولا أكثر .. ستعطيه الولد الذي يريد وسيحبها أشد من السابق، سيفيض حبهما على ابنهما حد الاغراق وسيكون مدللاً من كلا الطرفين معشوقاً من الجميع، هذا أفضل بكثير من المعاندة والتنظير ..


***


شهور وظهر حملها، شهور أخرى ووضعت ولدها، لم يكن "ولدهما" يوماً بل ولدها هي وحدها وكان هو ضيفاً صامتاً قليل المشاركة .. لم تعرف لمَ يبتعد عنها يوماً بعد يوم، لمَ لم يعد يرتاح بالحديث إليها كالسابق، لم تعرف لمَ لا يحمل الولد الذي كان يلحّ بطلبه من قبل ولماذا يشعر بالقرف كلما رأى منظر الولد وهو يتجشأ بعد رضعة مشبعة، تعجبت وقررت أن تصمت ربما هو لم يعتد على وضع الأبوة بعد، انتظرت أن يتكلم هو او يعود لسابق عهده .. بعد سنة

-        هو في حاجة مزعلاك ؟
-        أنا ! خالص .. ليه يعني؟
-        بقالك سنة كاملة متغير وانا ساكتة وباستنى انك ترجع زي الأول .. بس كدة كتير
-        يا سلام !! ولما انا متغير وزعلان زي مابتقولي سايباني اتحرق سنة بحالها وجاية تسألي عليا دلوقتي
-        طب ايه اللي مزعلك عشان اراضيك ؟
-        انا مش زعلان اصلا ولا فيه حاجة مضايقاني .. انتي بتتلككي عشان تتخانقي وخلاص
-        طب قول لي متغير ليه .. نفسي اشوفك مبسوط وبتتبسم وانتا معانا في البيت
-        بقول لك ايه .. انتي بقيتي نكدية أوي وانا مش قادر استحمل
-        نكدية ازاي دا انا بحاول ارضيك
-        خلاص بقى فُضّيها سيرة .. أنا ماشي عندي مشوار مهم
-        طب الولد تعبان
-        وانا مالي؟
-        ابنك تعبان يعني ايه انا مالي ؟
-        اتصرفي .. أنا مش فاضي خالص


***


تصرفت ... ومنذ ذلك اليوم وهي تتصرف، ذهبت إلى أطباء نفسيين ليعالجوها من الكآبة، أخذت الكثير من العلاجات حتى تتخلص من مرض "النكدية" وتعود إلى إثارة إعجابه أصبحت ضيفة دائمة في صالونات التجميل لتعجب ذوقه وتشد نظره، أجرت عملية جراحية لتصبح أكثر رشاقة، غيرت ديكور المنزل، تعطرت، كتبت له الأشعار، تعلمت الطبخ من طباخين عالميين، أحبّت امه وأخواته، وفرّت له الهدوء والراحة في المنزل، تخلصت من كل صديقاتها حتى لا تنشغل بهن عنه وعن ابنها، تحولت إلى عارضة أزياء في المنزل .. وبعد سنة

-        أنا نفسي في مرة نخرج نتفسح سوا
-        ايه الكلام الفارغ دا !
-        هو انتا يعني خسران حاجة لما تتفرغ يوم كدة وتدينا شوية من وقتك
-        يا سلام ! ما انتو واكلين كل وقتي وانا باشتغل واشقى علشانك وعشان ابنك .. وبرضو مش عاجب
-        لا يا حبيبي انا قصدي بس تقعد معانا تتفسح معانا مرة كل فين وفين مش هيجرى حاجة
-        لا بقى انتي كدة زودتيها أوي .. يعني نكدية وعديناها مش مهتمة بنفسك ولا بابنك ولا حتى بيا وبرضو قلت قضاء وقدر وسكت، تجي في الآخر تشتكي اني باشتغل واشقى عشان اصرف عليكم قال وعايزاني اضيع وقتي في خروجات وكلام فارغ !! اتقي الله ياشيخة حرام عليكي انتي مفيش في قلبك رحمة ؟ انا مش عارف أهلك كانو مستحملينك ازاي
-        !!!
-        بطلي نكد بقى وروحي ربي ابنك .. لاحسن والله هاتجوز عليكي


***


 ولأنها زوجة مطيعة نفذت كل كلامه حرفياً .. "بطلت نكد" ولم تعد تسأله عن تفاصيل يومه ولا تطالبه بالكلام الفارغ إياه، اهتمت بولدها حتى أصبح هو حياتها وشغلها الشاغل ولا شيء سواه، بيتها هو تفسحها و"خروجتها" فراحت تتفنن في تزيينه وترتيبه وتشعر بالسعادة بعد كل تجديد، وحين يأتي سيد المنزل تنطوي على نفسها وتقدم له الطعام في صمت ثم تنسحب إلى غرفتها التي تتشاركها مع صغيرها وتغلق عليهما الباب حتى لا يشعر بوجودهما فيشتكي، تخدمه صامتة بالليل وبالنهار ولا تتذكر صوتها إلا حين يخلو البيت منها وتبقى هي وولدها ... وبعد سنة

-        أنا كنت عايز أقول لك على حاجة
-        قول يا حبيبي اتفضل .. أؤمر
-        أنا مش عايز أظلمك معايا وعارف ان انتي انسانى طيبة وبتراعي ربنا فيا وفي ابنك، بس انا مش مرتاح معاكي وخايف أكون باظلمك كدة
-        طب ايه اللي مش مريحك
-        اسلوبك دا لوحده اكبر سبب دايما بتقاوحي وبتقلبي الكلام خناق مهما كنت بحاول اصفي الجو معاكي
-        !!!
-        مش هطوّل عليكي .. أنا قررت اتجوز تاني ودا شرع ربنا (مثنى وثلاث ورباع) أنا بس قلت أعرّفك من البداية عشان متسمعيش الكلام من حد غريب واكون كدة تسبب في جرح مشاعرك وانا ميرضينيش إني أجرح مشاعر زوجتي وأم ولدي بس كلمة الشرع واضحة ومحدش يقدر يعترض عليها، ولو حسيتي إنك مش هتعرفي تكملي معايا أنا مستعد اطلقك وأفضل أصرف على الولد .. مترديش دلوقتي خدي وقتك وفكري على مهلك ولمي كل اللي انتي عايزة تاخديه معاكي لبيت ابوكي انا مش فارق معايا العفش تقدري تاخديه كله .. سلام دلوقتي عندي مشوار مهم


***


في بيت والدها عرفت التحليل البسيط لمشكلتها ..

-        "انتي مكنتيش تهتمي بنفسك وبيتك لو كنتي اهتميتي بالبيت وبطلتي تنكدي عليه بالطلبات عمره ماكان فكر يروح لواحده غيرك .. الست الشاطرة بس هي اللي تعرف ازاي تحافظ على بيتها"

تحليل ردده على مسامعها جميع من تعرفهم حتى صدقته هي نفسها ونسيت ما كانت تفعل خلال تلك السنوات، محاولاتها غير المنتهية للفت نظره بدون الحاح وبدون طلبات تحولت إلى "انتي أكيد كنتي بتنكدي عليه بكتر الكلام والطلبات" .. ولأنها لا تحب الجدال غير المنتهي ولا التحليلات العبقرية بعد فوات الأوان ومحاولات التذاكي على حساب أعصابها ولأنها كذلك تعودت الصمت خلال تلك السنين .. صمتت


وظلت تستمع ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق