الخميس، 6 يونيو 2013

Hack-intifada







في عصرنا الحديث بات لكل شيء في الحياة شكل إلكتروني وظلٌّ في العالم الافتراضي، هذه القناعة كانت أقرب إلى النظرية الفلسفية منها إلى الواقع حتى تأكدت بقوة عند قيام الثورة المصرية انطلاقاً من مواقع التواصل الاجتماعي ثم حين عاد التشكيك مرة أخرى في تأثير العالم الرقمي فرضت نفسها أحداثُ اليوم السابع من شهر أبريل سنة 2013 ..
كان يوماً عاديّا جداً لم يحدث فيه أي شيء مختلف أو غريب ولم تكن هناك إشارات مريبة تدلّ على الأحداث المتتالية السريعة التي قد يسفر عنها الليل، يوم بسيط مما تم الاعتياد عليه بلا أمل جديد فيما يخص موضوع فلسطين ولا آمال قومية أو إسلامية أو عربية، كان يمكن أن يمرّ بالهدوء الذي بدأ به حتى ينتهي ثم ننساه ككل الأيام المتشابهة، لكن أملا ضئيلاً قرر أن يصحو ذلك اليوم حين خلد الجميع إلى النوم وانتصف الليل ولم يبقَ سوى الكائنات الليلية ومدمني السهر.. ظهر بعد منتصف الليل مباشرة عندما جاء موعد هرب السندريللا من حفلة الأمير، هذه المرة كان الهرب مدوياً فبدل أن تترك خلفها فردة حذاء زجاجية ضيقة المقاس تركت في تلك الليلة بصمات كثيرة واضحة غطّت كل وسائل الإعلام وحطام مواقع إسرائيلية واستغاثة باكية من حكومة الصهاينة إلى كل بلاد الغرب تطلب النجدة والمشورة.

جاء صباح الثامن من إبريل بلون جديد ذكّر الناس بالأمل شبه المندثر, الأمل باتحاد العرب والمسلمين وحدة تعيد المجد المذكور في كتب التاريخ، تعيد الحلم بتحرير فلسطين واندحار اليهود وعودة الأراضي المحتلة بداية من هذه النقطة المهمة وهي الهجوم الإلكتروني الذي كاد يقضي على المواقع الحكومية الإسرائيلية في عملية هي الأولى من نوعها ضمت الآلاف من المخترقين العرب والمسلمين يجمعهم هدف واحد وهو القضاء على الوجود الإسرائيلي على الإنترنت تم الاتفاق بينهم على اسم لعمليتهم هو (عملية اسرائيل)، العملية فاجأت العرب أنفسهم كما فاجأت إسرائيل وتصاعدت الهتافات الحماسية والدعوات لهم بنجاح خطتهم نجاحاً يمكّن هذا الهجوم من التحول إلى أرض الواقع وإيقاع ضرر حقيقي ملموس على الكيان الصهيوني وكانت الفرحة الجماهيرية بالأحداث المتسارعة تلك الليلة كبيرة تحولت المواقع معها إلى ما يشبه يوم العيد، ووصل الأمر إلى تسمية ذلك الهجوم الساحق الذي ألحق فعلاً الكثير من الأضرار على حكومة اليهود بالانتفاضة الرقمية وتداول مدونون فيما بينهم كلمة Hackintifada باعتبارها تسمية شاملة لكل أحداث السابع والثامن من ابريل ونتائجها على العدو الصهيوني، خاصة بعد أن وصف المخترقون أنفسهم العملية بأنها كانت خرافية وتم وضع عبارات على المواقع الإسرائيلية المُختَرقة مثل " إلى حكومة إسرائيل أهلا بكم في انتفاضة الهاكرز" وهو ما ألهب حماس المتابعين أكثر حتى تحولت الحماسة البالغة والفرحة إلى ترقب شديد ومعه تحوّل الجميع فجأة إلى محللين سياسيين .. هنا جاء الانقسام كما هي عادة العرب؛ فانقسم المتابعون إلى ثلاثة أقسام :


القسم الأول: المتفائلين، وهم الأغلبية الذين أسعدهم هذا الهجوم تماماً كما قد يسعدهم حين يحدث على أرض الواقع، هذا القسم – وقد كُنت منهم – رأى في ما حدث بداية النهاية المنتظرة كأنهم يرون الوعد يلوّح بالتحقق وكأن شعار أنونيموس "الرجل مجهول الهوية" هو هوية جديدة تجميع تحت مظلتها الشتات العربي، ومنهم من أخذته الحماسة في مقالاته مثل هذا المدون الذي كتب مقالة طويلة يقول في نهايتها (ما حصل قبل أيام من مهاجمة مواقع ومؤسسات وبنوك وحجب وتدمير مواقع وسحب ملفات أمنية لدي المؤسسة العسكرية بشكل كامل يدل على قدرة الشباب علي التغير والأخذ بالتطور إن ما حصل كأننا نعيش أجواء انتفاضة الكترونية ،إنها مجموعات شبابية محترفة بهذا المجال أطلقت علي نفسها الهاكرز استطاعت أن تربك الاحتلال ،،استطاعت توحيد شباب العرب وتوحيد الأمة دون الرجوع لرؤساء الدول ،،إن إعطاء الشباب دورهم لقيادة الأمة بكل المجالات سوف يحقق انجازات بكل الأصعدة والتقدم والأخذ بالتكنولوجيا الجديدة، عاشت انتفاضة الهاكرز الالكترونية المباركة )


القسم الثاني كان أقل صخباً من القسمين الأول والثالث؛ وهذه المجموعة هم المتشائمون الذين اعتبروا أن هذا الهجوم المكثف على إسرائيل لو أدى إلى انهزامها الكترونياً ثم كانت له آثار في الواقع فهو في نظرهم إيذان ببدء أحداث الساعة الكبرى من خروج المهدي المنتظر وزوال دولة اليهود، وهم رغم سعادتهم لما لحق بالصهاينة من أضرار واضحة إلا أنهم كانوا متخوفين مما قد تسفر عنه الأيام داعين للتريث قليلاً وتذكر أن زوال دولة اليهود من علامات الساعة التي لا يمكن لأحد أن يدّعي استعداده لها بصدق، خوفهم كان في محله وكان مبرراً وشخصياً جداً لدرجة أنه لم يؤثر في مجريات الأمور ولا في الرأي العام أدنى تأثير.


القسم الثالث الرافضين لأي هجوم على اسرائيل باعتبار ذلك اعتداءً على الاتفاقيات المبرمة بينهم وبين الحكومات العربية، هذا القسم هم من اعتنق الخوف عقيدة بالأساس واعتاد الشعور بالاضطهاد حتى استساغته أنفسهم، وأصبح يرى كل محاولة للتجديد نوعاً من السفه وكل بادرة مقاومة للظلم تخريباً .. هؤلاء لايكون لهم ضرر واضح في المناسبات العادية حين يحاول أحدهم معارضة التجديد ونشر ثقافة الخوف من كل شيء، في مثل هذه المواقف يواجهون بالتجاهل حيث يراهم الناس مثيرين للشفقة مستحقين للرثاء، ولكن المشكلة الحقيقية في انتشارهم في شبكة الانترنت بقوة حتى ليحصل أحدهم على الشهرة ويعتبره المتابعون له كاتباً أو توصله كثره تدويناته لأن تتبناه دور النشر وتطبع له الكتب من أجل شهرته المزعومة هذه.

هنا يأتي الضرر الأكيد من القسم الثالث تحديداً فحين ينتشر أمثال هؤلاء في العالم الرقمي الذي يكاد يصبح الحياة البديلة الآن؛ ينخرون مثل السوس في أفكار المذبذبين ومن لا يعرف أبعاد القضية جيداً ويخدعون الجموع بالألفاظ المنمقة والتسجيل لأحداث قديمة بصورة تحملها مسؤولية كوارث حدثت بعدها ثم اقناع الناس أن هذه أدّت لتلك، ومنهم من يلعب على وتر المسؤولية الوطنية وتسخيف ما حدث باعتباره بعيداً عن القضية الفلسطينية كما يقول أحدهم بخصوص الهجوم على مواقع اسرائيل :
(أنتَ كـ مواطن فلسطيني قُمتَ بانتخاب قيادة تنوبُ عنك وتُمثلُك, وهذه القيادة في طلب مساعدة دائم من امريكا ودول اوروبا والأمم المتحدة. لماذا تتصرف عكس هذه القيادة, أيُ منطقِ هذا ؟! إذن فإنّ المُشكلة جذرية, ولن تُعالجَ مُشكلةً من أطرافها, عليكَ التنقيبُ عن جُذورها !وإلى المواطن العربي المُتعاطف: حاول ان تفهمَ هذا الكلام !)

أن تقنع الناس بالتصرف الإيجابي شيء سهل ولا يحتاج سوى بعض الحماسة لكن أن تستطيع إقناعهم بترك التصرف واختيار السلبية عمداً فهو فنٌ صعب يتقنه قلة من المحترفين، إلا أنهم رغم قلّتهم لهم قدرة على الوصول إلى شريحة عريضة من المجتمع العربي عن طريق المدونات والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي؛ يجب الانتباه لما يفعل هؤلاء في تفكير الشباب العربي المطحون في واقعه اليومي المستعد للاستسلام، والتحذير من آرائهم الانهزامية التي تدس السمّ في العسل .. الترويّ والتفكير شيء جيد ولكن لا يمكن بحال اعتبار السلبية دليلاً على الوطنية أو العروبة، هذه معارضة لمجرد المعارضة أو حب الظهور وكان من الممكن أن تتفاقم لولا أن الانتفاضة الرقمية لم تكتمل ولم تسفر سوى عن أضرار قليلة سرعان ما تداركتها حكومة العدو.



الجميع الآن في وضع الانتظار، المتفائلون المتحمسون يدعون لاستكمال المسيرة، المتشائمون يدعون للتوبة والعودة إلى الله قبل قيام الساعة، والانهزاميون يحشدون سيول الكلام بانتظار الحركة التالية مستعدين لنشر الفكر السلبي مرة أخرى بدعاوي الوطنية التي تخفي في طياتها الشعور بالدونية والاستسلام للوجود الصهيوني على أرض فلسطين قلباً وقالباً واعتباره قدراً لابدّ منه .. ينتظرون وننتظر وستُظهر الأيام أعجب مما كان. 

هناك تعليقان (2):

  1. مقال جاد ومهم والتناول جيد جدا... سلم قلمك يا سعدية... أنا علا سمير الشربيني، ويا ريت تبقي تزوريني في مدونتي عشان تنوريني

    ردحذف
  2. تسلمي صديقتي العزيزة :) طبعا يشرفني متابعة مدونتك :)

    ردحذف