الأربعاء، 1 مايو 2013

الصومال مثلاً .. !



الصومال مثلاً .. !!

"مقالي المنشور في صفحة روايات مصرية للجيب على الفيسبوك"





الصومال بلاد اسلامية عربية ذات هوية مستقلة لا يحب الكثيرون أن يُتعب نفسه بمحاولة التعرف عليها وهو أمر معتاد ولا يثير حفيظة أحد حتى الآن، قامت فيها ثورة في بداية التسعينات ضد الدكتاتور محمد سياد بري الذي حكم البلاد بيد من حديد وكان القمع والاضطهاد والتعذيب أحد وسائل حكمه، قرّب قبيلته وأسند إليها مقاليد الحكم وداس على بقية الشعب محاولاً استعباده ثم وضع بنفسه حجر البداية لهذه الثورة بسخريته من القوانين الشرعية وقتله العلماء على مرأى ومسمع من الجميع بحجة معارضتهم لقانونه الاشتراكي الذي يساوي بين الرجل والمرأة في الميراث، وكان نتيجة هذه الثورة تخبطاً دام لسنوات طويلة قبل أن يتم أخيراً السيطرة على الوضع بانتخاب الرئيس الصومالي الأسبق عبد القاسم صلاد حسن، ثم توالت من بعده الحكومات والرؤساء.


كل هذا معروف منذ عشرين سنة وليس بالأمر الجديد أو اللافت للنظر، الجديد هنا هو النغمة التي انتشرت في الفضائيات والصحف في الآونة الأخيرة وخاصة مع ابتداء الثورات العربية أو ما نحب تسميته بالربيع العربي، حيث بدأ كل حاكم يثور عليه شعبه بالحديث عن التجربة الصومالية وعن أن حكمه هو السبب الوحيد لتماسك بلده وإلا ستتحول إلى "صومال أخرى" وهذه هي اللفظة التي استخدمها كل مؤيدي الأنظمة التي ثارت عليها الشعوب واتخّذت من التهديد سبيلا لقمع ثورتهم كحل أخير يائس.


هذا التهديد لم يجدهم نفعاً واستمرت الثورات حتى سقط معظمهم ولكنه أحدث "موضة" جديدة في الصحافة وفي الفضائيات على السواء وهو تشبيه الأحداث المأساوية أو الفوضى غير المبررة بما يحدث في الصومال وهو شيء مستغرب ففي الصومال لا يحدث شعب غير مبرر انما منازعات قبلية متفرقة وغالبا ما يسيطر عليها شيوخ القبائل بفرض الصلح على بقية أفراد القبيلة، ثم استمرت التشبيهات تتوالى فكل أحداث مؤسفة تذكرهم بما قاله الحاكم المخلوع ومؤيدوه ونجد الصحفي أو المذيع يستعيد ذلك التهديد ويتشائم منه على أساس ذلك، ثم تطورت هذه "الموضة" حتى وصلت إلى أن يستمتع المذيعون والصحفيون بتشبيه جديد يصفون به الأحداث التي تدل على بداية الانحدار إلى الهاوية بأنها "الطريق إلى الصومال" وهو تشبيه لا يخلو من السخرية والشماتة الخفيفة.


كل هذه الأمور قد تثير حفيظة المتابع العادي - المُنصِف - ولكنها لا تدعو إلى الدهشة بقدر ما تثير بعض الحساسيات بين من يؤيد السخرية من الوضع الصومالي على أساس أنها حرية الصحافة وبين الصوماليين - المغتربين غالباً - المتابعين لهؤلاء، هنا كان لابد من أن يظهر الطبع العربي المعروف وهو المبالغة فبعد أن أباح الجميع لأنفسهم هذا الاستهوان ببلاد عربية مسلمة مشكلتها الوحيدة أنها تعرضت لمشوار طويل من التخبط السياسي والكوارث البيئية التي لا يد للإنسان فيها، بدأت المبالغات وأصبح السائد هو اتخاذ الصومال مثلاً لكل ماهو سيء ومكروه وما يستوجب الهرب والنفور، وانتشرت هذه الفكرة غير المنطقية انتشاراً واسعاً حتى تحولت إلى قاعدة جديدة، ووصل الأمر إلى أن نجد د. أحمد خالد توفيق وهو أحد الأدباء الكبار يقول - بنية طيبة لم يقصد بها توجيه الإساءة - في مقاله الذي يتحدث عن استغلال اللاجئات السوريات بالزواج النفعي :


" هل تقبل أن تزوج أختك أو ابنتك بمهر 500 جنيه فقط؟.. بعض هذه العقود عرفي والطلاق يتم بسهولة تامة. الخطير هنا أن بعض اللاجئات قد يضطررن للدعارة لسد احتياجاتهن، وإلا يقبلن بهذه الزيجات الاضطرارية المهينة. هذا استغلال جنسي لاشك فيه وإن تنكر في شكل زواج. أذكر أيام مأساة البوسنة والهيرسك ان شاعت مقولة (أستر أختاً مسلمة من البوسنة) .. فما أسهل هذه التضحية إذ تتزوج حورية أوروبية بارعة الحسن وتأخذ ثواباً، وقد تحمس كثيرون لهذه الدعوة، فلما قلنا لهم: (استروا أختاً صومالية) فر الجميع بجلدهم"


السؤال هنا هو "هل رأيت الأخوات الصوماليات سوى في نشرة الأخبار أثناء فترة المجاعة؟" مالذي يعرفه العرب عن الصوماليات لكي يتخذوهن مثلاً للقبح أو في أفضل الأحوال لانعدام الجمال؟، لاشيء على الأرجح وهو تحديداً السبب الوحيد الذي جعل فكرة التشبيه منتشرة بكثرة فحين لاتعرف الشيء تُعمل خيالك في رسم صورة له تتناسب مع مقاييسك الخاصة البعيدة عن الواقع، يعرف الجميع جمال الأسوانيات ولا أحد يتجرأ على الحديث عنهن ويعترف الكل للسودانيات بالأناقة والاهتمام المفرط بالجمال ولهذا أيضاً لم يلتصق بهن مثل هذا التشبيه ولم يبق سوى الصومال الدولة البعيدة عن نظر العالم ووعيه هي الخيار الأسهل لرمي كل التهم بضمير مرتاح.


ولكن ما يتغافل عنه العالم حين يأتي الحديث عن الصومال يمكن أن يوجَز في عبارة قصيرة "الصوماليات جميلات" وهي حقيقة مختصرة جداً فرغم الحروب التي عاصرنها ورغم المجاعة التي لم يعرف العالم العربي غيرها عن الصومال ورغم الاجتياح الاثيوبي الغادر ورغم انعدام الاستقرار لحقبة طويلة إلا أن ذلك لا شأن له بجمالهن أو عدمه ولا يؤثر بأي حال على الملامح الصومالية الناعمة ذات البريق والكحل الرباني، الصومال التي لا تعرفونها ياسادة تنتظر أن تتعرفوا عليها بصدق لا أن تتخذوها سلة جاهزة لأي تهمة جديدة.

هناك 12 تعليقًا:

  1. لا اعرف ما أقوله لك ولا اعلم ان كنتي ستقرأيه ام لا..فقد قرأت مقال دكتور أحمد وهو يعتذر عن مقاله السابق ومن ثم بحثت حتي وجدت مقالك..لا اعلم ان كان الاعتذار سيكفي خصوصا ولا شيء سيحدث قريبا كي نفهم ان جهلنا بالعالم المحيط بنا لا سيما اخواننا في الدين واللغة لن يمر بدون عواقب..لا اعلم..لكن اشكرك في الرد الجميل الحازم والمعبر..شكرا لانك ازالتي جزء من جهلي الكبير..شكرا لك

    ردحذف
    الردود
    1. كل الشكر لكَ أخي الكريم على هذا تفاعلك مع مقالي :)
      قرأت رد الدكتور أحمد وأسعدني جداً أسلوبه الراقي .. ورددتُ عليه بمقالة أخرى لأنه أنهى رده بقوله "أنتظر مقالها التالي الذي تقبل فيه اعتذاري"

      ستجده منشورا على صفحة روايات مصرية للجيب
      تحياتي :)

      حذف
  2. أنا نوبى أسود وأعرف يقينا أن العرب يربطون الجمال بالبياض مهما ادعو العكس, الافريقيات فى مصر يعانون من التحرش اللفظى والجنسى يوميا, يعانون من السخرية من لون بشرتهم كل لحظة! شاهدى الأفلام العربية حتى ترى انهم لا يستعينون بالسود الا للسخرية منهم, ومع ذلك أنا أجزملك أن د. احمد خالد توفيق لا يمتلك ذرة من هذه العنصرية هو فقط خانه التعبير.

    ردحذف
    الردود
    1. أعرف بالضبط ما تتحدثُ عنه أخي الفاضل ورأيته بأم عيني .. وأدري أنه لبيس من هذه العينة من البشر لكن وجب التنويه على كل حال
      أشكر لك تفاعلك مع المقال :) تحياتي

      حذف
  3. اتاسف لحضرتك عن الخطأ غير المقصود من دكتور احمد خالد توفيق و اعتذر بشكل شخصي عن جهلي ببلد عربي مثل الصومال -الحقيقه بلدان كثيره و ليس فقط الصومال- و عاداته و تقاليده, ساحاول معرفة الصومال عن قرب اكثر و ردك رائع و يعكس مدي حبك لوطنك و يعكس رقيك في الرد ,شرفت بمعرفتك

    ردحذف
    الردود
    1. لك الشكر على هذا الشعور الأخوي الصادق
      تحياتي :)

      حذف
  4. وهذا رد الدكتور احمد
    http://tahrirnews.com/columns/view.aspx?cdate=06052013&id=a86932d1-89a4-42b9-9ce9-fc6dd59bc71e

    ردحذف
    الردود
    1. قرأت الرد وكنتُ أنوي فعلا عرضه هنا في المدونة :) شكرا للتذكير

      حذف
  5. آسف علي جهلي بالصومال، وأرجوك تقبل اعتذار الدكتور أحمد، فما فعلها إلا عن حسن نية وتعاملاً مع العنصرية في مجتمعنا المصري (يخاطبهم بقدر عقولهم)، ولكن أنا أيضاً أعترف بأن صورة الصومال في ذهني مرتبطة بالمجاعة ... آسف آسف آسف

    ردحذف
    الردود
    1. عذرك مقبول أخي الكريم :)
      تعرّف أكثر على الصومال فهي جزء من وطنك العربي الكبير
      والأمر سهل ..
      تحيتي واحترامي :)

      حذف
  6. أنا مصري و أعيش في فنلندا , و أؤيد راي أن هناك أنحياز للبشرة الفاتحة حين يتحدث المرء عن الجمال في الوطن العربي...هل هذا بسبب الأحتلال التركي ؟ دائما مقاييس الجمال تعاير بالطبقة الحاكمة. أنا أشهد بنفسي أن الصوماليا مسمسمين و زي القمر , أكثر من المتوسط المصري. و لولا أنة مجتمع قبلي (لا تتزوج النساء من خارجة) لتقدمت علي الففور لبنت صومالية .

    ردحذف
  7. الحمدلله ان هداني ربي لهذا المقال ليثلج صدري عن مدي ندائاتي المتكررة عن افريقيا وجمال افريقيا والصومال قبل ان تكون افريقية فهي عربية ..اول قراءاتي عن الصومال من مجلة العربي وشدني سحر الصورة الطبيعية من بحر وصحراء وسماء اعلم انه كان هناك حلم الصومال الكبري تحول الي كابوس ولكن للاسف كان بيد ابناءه ..الله معكم

    ردحذف