الجمعة، 31 مايو 2013

لا تنتقم من عدوك






" لا تنتقم من عدوك "

هذه النصيحة المثالية بسيطة في شكلها عميقة المضمون .. تبدو سهلة التنفيذ عندما تناقشها في سهرة مع أصدقائك أو تتأملها في جلستك المريحة على أريكة غرفة الجلوس في منزلك، تجد نفسك تتعجب ممن يصرّ على الثأر وقد يبدو لك متعصباً بعض الشيء وربما تبحث له عن أعذار وأنت تشعر في قرارة نفسك أنه يبالغ في رد الفعل .. لكن هل تعرضت في حياتك لموقف يسهّل لك الانتقام من عدوٍ آذاك شر الأذية؟ هل بمقدورك التمسك بفضيلة التسامح في ذلك الموقف تحديداً؟

دور الضحية المظلومة سهل دائماً ولا يحتاج منا لبذل الجهد كما أنه لا يضعنا أمام خيارات أخلاقية متشابكة يتشابه فيها الأبيض والأسود والرمادي، الصعب هو دور الضحية ذات القوة والتمكّن؛ حين تجد الضحية أصبحت من القوة بمكان يسمح لها فعل ما تشاء وفي يدها القدرة على الثأر وعلى العفو، هنا لابد أن تصطرع في النفس مشاعر المقت والحقد مع محاولات الحفاظ على المثالية أو بعض الرقي .. هذا في حالة أن يكون الضرر الواقع على الضحية سهل التناسي مثل أن يتسبب العدو في ابتعادك عن موطنك مثلاً أو طلاقك أو مقاطعة أعز أصدقاءك كل هذه الأضرار بسيطة وإن لم تكن بعضها سطحياً ويمكن تناسيها بقدر بسيط من السيطرة على النفس وتذكر النصائح الداعية إلى التسامح والفرق بين المسامح والمنتقم وما إلى ذلك.
هناك أضرار أقوى وأعمق وأضخم أثراً، أضرار لا تؤثر فقط في نفسية الضحية بل في حياتها وحياة من حولها، لنفترض مثلاً أن لك عدواً قتل أباك أو أحد افراد عائلتك وهو إلى ذلك حرٌ طليق لا تستطيع تقديمه للعدالة لسبب أو أكثر، هو ذا يقف أمامك يتباهى بجريمته ويبتسم لك في سخرية ..! هل تسامحه؟

في الوضع العادي حين يكون الأمر مجرد فرضية مطروحة للنقاش من الطبيعي أن نتحلى كلنا بالكرم والرغبة في نشر المحبة والتسامح، ستسامحه نظرياً حين تعدّ أفراد عائلتك وتجد عددهم كاملاً وتتيقن أنك بمنأى عن الإصابة بأي أذى .. ستسامحه لأن هذا ما تتمناه للعالم كله (التسامح والمغفرة).. لكن الطبيعة أقوى منك عندما تتحقق الفرضية ويتحول الاحتمال إلى حقيقة واقعة .. ستنطلق من أعماقك أنياب حادة تنهش قلبك تذكرك بمن فقدت وما خسرت .. تفقد تركيزك وأنت تحدق في لمعة أسنانه وثغره يفترّ عن ابتسامته الماكرة .. الساخرة من عجزك وضعفك المفترض

تبهت حولك المرئيات في شبه دوار ولا ترى سوى لون الدماء وصور من قتلهم من أهلك .. صوت ضحكته يرن في أذنيك مستفزاً يتحداك أن تتحرك .. في يدك شيء ما لا تدقق فيه ولا تجد الوقت للتفكير في ماهيته، لكنك تعرف جيداً أنه سيخترق جمجمته من أول ضربة ...

في هذه اللحظة تحديداً يكون القرار أوضح وأصدق، حينها فقط يمكنك الإجابة عن السؤال:
هل تسامح ؟ أم .... ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق