الثلاثاء، 24 يناير 2012

مـِـيـلاد مـُـؤقَـتْ









هنا وُلدت ..
في بلاد عربية مسلمة لا تبعد كثيراً عن موطني الأصلي
ولا تختلف عنه سوى في درجة اللون وبعض التعقيدات الفكرية

.

لم يكن ميلادي في هذه البلاد اختياراً بل جاء محض صدفة
كأنها احتفال في منتصف النهار
يختلسه المسافر قبل أن يقطع تذكرته إلى الرحلة الأخرى
كنت أشبه بقية الأطفال الصارخين الذين جمعتني بهم تلك الحضّانة الممتلئة بالصراخ
والممرضات الكسولات ..
كائن صغير في لفافة وردية .. بدرجة إزعاج عادية لا تتجاوز المتعارف عليه في كل البلاد
وظننتُ نفسي في مكاني الصحيح حيث يفترض بي أن اكون
كنت وبقية الأطفال كأسنان المشط لا يفرق بيننا سوى الأختام على شهادات الميلاد وأوراق الهوية
أختام كان لها من الأهمية أن شكّلت وجه حياتي فيما بعد .. بدءاً من تلك اللحظة
حين كان من نصيبي ختمٌ  قُدِر لي أن أحمله حتى يومنا الحاضر
"شهادة ميلاد مؤقتة"
هي كل ما حصدته حين انطلقت من شرنقتي أجمع الحروف والألوان
أزين بها مكاناً لم يقبلني .. ولم يزل غير متقبل لفكرة وجودي في الدنيا كل هذا الوقت
كأنه يفترض بي الذهاب إلى عالم آخر بعد فترة من هذا الميلاد المؤقت

لم أنتبه لهذا الأمر إلا بعد أن كبرت قليلاً وتعلمت فن البحث عن المغامرة
مغامرتي الأولى كانت رحلة للغوص حتى أعماق الماضي حيث نقطة البداية
مغامرة هي الشكل الذي يعتمده المراهقون لإطلاق السؤال الطفولي الأقدم
-        كيف أتيت إلى الدنيا؟

ربما لهذا السبب قررت نبش كل الأوراق القديمة التي تحمل اسمي منذ الميلاد
لكن هذه استوقفتني بطريقة صادمة عند بداية بحثي ..
 " مؤقتة "
ولم يسفر البحث حتى الآن عن أخرى دائمة ..














شهادة مؤقتة .. تولد من بين سطورها
حبلٌ من الشك بطول المسافة بيني وبين موطني الذي ولدتُ بعيداً عنه
ولون قاتم مخادع يتظاهر بالإشراق دونما جدوى
وكثيرٌ من الأسئلة التي لا داعي لها


.

.


 
ألم يكن يفترض بي الاستمرار في الحياة بعد انتهاء الفترة المحددة؟
هل كان ميلادي مرحلة مؤقتة يجدر بي الانصراف بعدها
وإلى أين تحديداً .. ؟
هل كان علي الانطلاق إلى دنيا موازية لا يتضمنها هذا العالم الذي نعرفه ؟
أم إلى عالم المثل العليا  الذي ابتدعه أفلاطون وآمن به كثيراً ..













 


هذه الشهادة كانت أول هبة ريح كادت تطيح بالجدران الهشة من حولي
وجعلتني أرى للمرة الأولى لمحة من معالم سكة السفر
وزوايا مكتب التذاكر المتهالك


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق